فصل: الفصل الأول في حقيقتها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الخامس في صفة الإخراج

قال أبو الطاهر‏:‏ كل ما كان على ساق كالحنطة ونحوها يؤخذ من حبه، وما كان يعصر كالزيتون ونحوه‏:‏ فثلاثة أقوال‏:‏ يؤخذ من الزيت إذا بلغ الحب نصابا يؤخذ من الحب يخير‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏ الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يخرص إلا التمر والعنب للحاجة إلى أكلها رطبين، ويخرصان إذا أزهيا لا قبل ذلك فيخرصان رطبين، ويسقط ما ينقص منها، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يمنع الخرص؛ لأنه ممار وتخمين، والمطلوب إنما هو العلم، وقياسا على الحبوب‏.‏ لنا‏:‏ إجماع المدينة‏.‏ وما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أنه عليه السلام أمر أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل‏.‏ ولأنه أتم حالته، فأشبه يبس الحب، ولأنه لو أهمل الكل فيمنع حق الفقراء، أو يحجر عليه فيضق الحال على أربابه، وكلاهما مفسدة فتدفع بما ذكرناه كدفع الخصومات بتقويم المتلفات وتقدير أروش الجنايات، والفرق بينهما وبين الحبوب‏:‏ توفر الدعاوي على أكملها رطبين‏.‏ قال سند‏:‏ فإن كان الموضع لا يأتيه الخارص واحتيج إلى التصرف، دعى أهل المعرفة وعمل على قولهم، فإن لم يجدهم وكان يبيع رطبا أو عنبا في السوق ولا يعرف الخرص‏:‏ قال مالك‏:‏ يؤدي منه، يريد أنه إذا علم فيه نصابا وجهل ما زاد، فإن علم جملة ما باع ذكره لأهل المعرفة فحزروه بها يكون بمثلة تمرا أو زبيبا، فإن لم يتحقق النصاب لم يجب عليه شيء وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا باع زيتونا له أو رطبا له تمر أو عنبا له زبيب لزمه الإتيان بزكاته زيتا وتمرا وزبيبا بخلاف إذا باع قبل تناهيه لتعين حق الفقراء بالطيب هاهنا‏.‏

قال سند‏:‏ وصفة الخرص‏:‏ قال مالك‏:‏ يخرص نخلة ما فيها رطبا، فإن كان الحائط جنسا واحدا لا يختلف في الجفاف جمع جملة النخلات وحزركم ينقص حين تتمر‏؟‏ وإن كان يختلف المائية واللحم حزر كل واحد على حدته، وكذلك العنب، ويكون الخارص عدلا عارفا، ويكفي الواحد عند مالك وابن حنبل؛ لأنه عليه السلام بعت عبد الله بن رواحة خارصا، ولأنه مجتهد، فيكون حاكما‏.‏ والحكم يكفي فيه الواحد‏.‏ وذلك هو الفرق بينه وبين المقومين؛ لأنهما يرفعان إلى الحاكم، والحكمين في الصيد لتبعهما اختيار المقوم عليه، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا اختلف الخراص أتبع أعلمهم، فإن استووا أخذ من قول كل واحد منهم جزء من أسهم عددهم كثلاث من ثلاثة، ولا يترك الخارص شيئا، وروى‏:‏ يترك العرايا والغلة ونحوهما؛ لأنها معروفة، ومهما أتلفت الجائحة فلا ضمان على المالك لفوات الإمكان، ولو أتلف الملك ضمن، فلو باع الجميع غرم الملكية؛ لأنه من ذوات الأمثال، وقيل‏:‏ يؤخذ من ثمنه؛ لأنه الموجود بيد الغني، وإذا تبين خطأ الخارص رجع إلى ما تبين إن كان عارفا وإلا بنى على الأول، ولا عبرة بما حصل عند الجذاذ، لاتصال حكم الحاكم به، وهو ضعيف؛ لأن الحاكم إذا قطع بخطأه وجب نقض حكمه، وكذلك قال ابن نافع، وقيل‏:‏ تلزم الزيادة لكون الخطأ فيها قطعيا بخلاف النقص، وإذا خرص خلي بينه وبين أهله إن شاءوا تصرفوا وضمنوا الزكاة من حين الخرص، أو تركوا ولم يضمنوا وتؤخذ الزكاة كما وجدوا من الخرص، أو خالفه إن نقص عن النصاب فلا زكاة؛ لأن هذا هو الأصل، ولا فرق في الخرص بين ما يتمر أو يتزبب أولا، قال عبد الملك‏:‏ يخرص ما لا يثمر ولا يتزبب على حاله، وإذا احتيج إلى كل ما قلنا لا يخرص قبل كماله، ففي خرصه قولان مبنيان على علة الخرص‏:‏ هل هي حاجة الأكل أو أوان النخل‏؟‏ والعنب يتمر للعصر بخلاف غيرها، قال سند‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ يوسع عليهم في الخرص، يترك لهم شيء من رءوس النخل، وإذا قلنا‏:‏ لا تلزم الزيادة فيستحب الإخراج منها وفاقا، فإن كان المتصدق من أهل الجور‏:‏ قول أشهب‏:‏ لا يعتد به، وعلى قول أصبع‏:‏ إن دفع الزكاة لحاكم الجور يجزئ ويعتد به ها هنا؛ لأنه ينفد من أئمة الجور ما ينفد من أئمة العدل، والجائحة تسقط الزكاة إذا نقصت عن النصاب، فلو باعها وهي خمسة أوسق فاجيحت بأقل من الثلث فالزكاة باقية لأخذه الثمن، وإن كانت الثلث فأكثر سقط عن المشتري وسقطت الزكاة عنه، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا ادعى رب الحائط حيف الخارص وأتى بخارص آخر لم يوافق؛ لأن الخارص حاكم، وإذا ادعى الجائحة فعلى القول باعتبار الخرص دون الكيل لا يقبل إلا ببينة لثبوت الزكاة بحكم الحاكم، وعلى القول باعتبار الكيل‏:‏ إن كان ثم سبب ظاهر كالجذاذ ونحوه كلف البينة لإمكانها، وإن كان أمرا خفيا صدق بغير تبيين إن لم يهتم، وإلا لم يصدق‏.‏

وإذا أتهم الإمام أرباب الزيتون والحب وكل بحفظه، قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ قوله في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا خرص أربعة أوسق فوجدت خمسة أحب إلي أن يخرج، محمول على الوجوب، وروي‏:‏ إن كان عالما فلا شيء عليه، وإلا زكى، وقال ابن نافع‏:‏ يزكي مطلقا وهو القياس، الثاني في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا كان الحائط جنسا أخذ منه وإن كان دباء أو أجناسا أخذ من وسطها لقوله عليه السلام ‏(‏

فيما سقت السماء العشر‏)‏ ويفارق الماشية من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن الواجب فيها قيد بالسن فيتقيد بالوسط، وها هنا أطلق فيطلق، الثاني‏:‏ إن الماشية تساق للفقراء، فلو أخذ الأدنى لتعذر سوقه، وها هنا لا بد من حمله، وروى عنه لا بد من الوسط قياسا على الماشية، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏)‏‏.‏‏(‏البقرة‏:‏ 267‏)‏ وكذلك إن كان جيدا كله قبل منه الوسط، وقال ابن دينار‏:‏ إذا اجتمع صنفان أخذ من الأكثر، وروى أشهب‏:‏ إن كانت ثلاثة أخذ من كل واحد بقسطه، الثالث‏:‏ قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ الزيتون الذي له زيت تؤخذ الزكاة من زيته، فإن لم يعصره وأراد بيعه فروايتان في ثمنه وحبه، وكذلك ما يثمر أو يتزبب، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ إنما عليه عشر حب الزيتون قياسا على سائر الحبوب، والفرق للمذهب‏:‏ إن الحبوب إنما تؤخذ منها حالة يصلح للإدخار منها ومثلها من الزيتون الزيت، وما لا زيت له يتخرج على العنب والرطب اللذين لا زبيب ولا تمر لها في إخراج الثمن أو الحب والتخيير والله أعلم‏.‏

الخامس‏:‏ في زكاة النعم

والأصل فيها قوله تعالى‏:‏ ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏)‏‏.‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 103‏)‏ وفي ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ إن في كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب الصدقة‏:‏ في أربع وعشرين من الإبل فدونها، الغنم في كل خمس شاة، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين ابنة لبون، وفيما فوق ذلك إلى ستين‏:‏ حقة طروقة الفحل، وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة، وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل، فإن زاد على ذلك من الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان، وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه، فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة، ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتردان بينهما بالسوية، وفي الرقة إذا بلغت ‏(‏خمس أواق ربع العشر‏)‏ قال صاحب ‏(‏الاستذكار‏)‏‏:‏ معنى ما في كتاب عمر‏:‏ في كتاب كتبه لعماله فلم يخرجه حتى قبض، وعمل به أبو بكر - رضي الله عنه - حتى قبض‏.‏ ثم عمر حتى قبض، ولم يزل الخلفاء يعملون به، وفي ‏(‏الموطأ‏)‏ أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأتى بأدون من ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا، وقال‏:‏ لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فيه شيئا حتى ألقاه فاسأله، فتوفي عليه السلام قبل أن يقدم فهو يدل على أنه سمع ما أخذ‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏‏:‏ يشكل قوله عليه السلام‏:‏ فابن لبون ذكر، والابن لا يكون إلا ذكرا، وكذلك قوله في المواريث‏:‏ فلأولى رجل ذكر، والرجل لا يكون إلا ذكرا، جوابه‏:‏ أنه أشار إلى السبب الذي زيد لأجله في السن فعدل عن بنت مخاض بنت سنة إلى ابن اللبون ابن سنتين، فكأنه يقول‏:‏ إنما زيدت فضيلة السنة لبعضه وصف الذكورية، وإنما استحق العصبة الميراث لوصف الرجولية التي تقي فضيلة السنة لنقيضه وصف الذكورية وإنما استحق العصبة الميراث لوصف الرجولية‏.‏

وتختص الزكاة عند مالك - رحمه الله - و‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ ببهيمة الأنعام الأنسية خلافا لابن حنبل في بقر الوحش، لنا‏:‏ أنها لا تجزئ في الضحايا والهدايا، فلا تجب فيها الزكاة قياسا على الظباء، ولا تجب في غير الأنعام خلافا ل ‏(‏ح‏)‏، وفي الخيل إذا كانت ذكورا وإناثا، واختلف قوله‏:‏ إذا كانت ذكورا أو إناثا، وخير ربها بين إعطاء دينار عن كل وجه فرس أو ربع عشر قيمتها، محتجا بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الخيل السائمة في كل فرس دينار‏)‏ ولأنها تعد للنماء فتجب فيها الزكاة قياسا على الغنم، والجواب عن الأول‏:‏ منع الصحة، وعن الثاني‏:‏ النقض بالحمير، ولأنها لا تصلح للضحايا والهدايا فتكون النعمة في مواطن الإجماع أتم، فلا يلحق به صورة النزاع‏.‏

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ لا يجب الزكاة في المتولد بين الظباء والنعم، وقاله ‏(‏ش‏)‏ لأنه يتركب من جنس ما لا يوجب وما يوجب فلا تجب فيه، كالنقد المغشوش، ويقال‏:‏ كل متركب من نوعين من الحيوان لا يعقب فيكون قاصرا عن موضع الإجماع، وفرق القاضي أبو الحسن بين أن يكون الإناث من الغنم فتجب أو من غيرها فلا تجب، لتبعية الأولاد للأمهات في الملك، فتتبعها في الزكاة، وقيل‏:‏ تجب مطلقا نظرا لحصول المالية‏.‏

والأنعام ثلاثة أنواع‏:‏ الأول‏:‏ الغنم، ويتمهد فقهه بإيضاح ما توجب منه الزكاة، وشروط الوجوب، والواجب فيه، فهذه ثلاثة فصول‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في السبب الموجب

وفيه فروع أربعة‏:‏ الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا صدقة في الغنم إلا في أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان إلى مائتي شاة، وفي مائتين وشاة ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة‏.‏ وقال النخعي‏:‏ إذا بلغت ثلاثمائة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة ففيها خمس شياه؛ لأنه عليه السلام جعل الثلاثمائة حدا للوقص، والوقص يتعقبه النصاب، وقوله عليه السلام فما زاد ففي كل مائة شاة، يبطله وينتقض ما ذكره بالمائة والعشرين من الإبل، ‏(‏الثاني‏)‏‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا كمل النصاب بالولادة قبل مجيء الساعي فيوم زكا خلافا للأئمة، واتفق الجميع على أن السخال تعد إذا كانت الأمهات نصابا، لنا‏:‏ ما في ‏(‏الموطأ‏)‏ أن عمر - رضي الله عنه - بعث عبد الله الثقفي مصدقا، فكان يعد على الناس السخال، فقالوا له‏:‏

أتعد علينا بالسخال، ولا تأخذ منها شيئا‏؟‏ فلما قدم على عمر - رضي الله عنه - ذكر ذلك له فقال - رضي الله عنه - نعم تعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ولا تأخذها ولا تأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره‏.‏

فوائد‏:‏ الربى بضم الراء وتشديد الباء مقصور، التي تربى ولدها، وهي من الإبل عائد، وجمعه عود، وجمع الربى ربات، ومن ذوات الحوافر‏:‏ فريش وجمعها فرش، ومن الأدميات‏:‏ نفساء وجمعها‏:‏ نفاس ونفساوات، والماخض‏:‏ الحامل، والمخاض وجع الطلق، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة‏)‏‏.‏ ‏(‏مريم‏:‏ 23‏)‏ والأكولة‏:‏ شاة اللحم التي تسمن لتؤكل، وقال ابن حبيب‏:‏ التي يكثير أكلها، والغذا بالغين والذال المعجمتين صغار السخال، وأحدها غذي، وكأنه من الغذاء؛ لأنها تغتذي بلبن أمها، وهي شديدة الحاجة إليه، ويجوز أن يكون عبر به ها هنا عن ذوي المال تحرزا، ويؤكد ذلك مقابلته بهذه‏.‏

‏(‏الثالث‏)‏‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تؤخذ الصدقة من الغنم المعلوفة والسائمة‏.‏ وكذلك الإبل والبقر خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ في المعلوفة، والعوامل، وإن لم تكن معلوفة، محتجين بمفهوم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون‏)‏ فخص ذلك بالسائمة وهي التي لا تعلف، وجوابه‏:‏ أن المفهوم إن قلنا إنه حجة، فالإجماع على أنه إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة، وغالب الأنعام اليوم لا سيما في الحجاز فلا يكون حجة، سلمنا سلامته عن معارض الغلبة‏.‏ لكن المنطوق مقدم عليه إجماعا، وهو معنى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

في كل أربعين شاة شاة‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

في أربع وعشرين فدونها الغنم في كل خمس شاة‏)‏ وهو عام بمنطوقه، ويؤكده‏:‏ أن الزكاة إنما وجبت في الأموال النامية شكرا النعمة النماء في الأموال، والعلف يضاعف الجسد، والعمل يضاعف المنافع فيكون هذا من باب مفهوم الموافقة لا مفهوم المخالفة، فثبت الحكم في صورة النزاع بطريق الأولى، وانعقد الإجماع على أن كثرة المؤنة لا يؤثر في إسقاط الزكاة، بل في تنقيصها كالشيح والنفح والمعدن مع الركاز‏.‏

الرابع‏:‏ قال ابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تضم أصناف النوع الواحد من الماشية فيضم الضأن إلى المعز، والجوامس إلى البقر، والبخت إلى العراب، وقاله الأئمة، لصدق الاسم في الجميع وتقارب المنفعة ن كما جمعت أنواع الثمار، والذهب مع الفضة‏.‏

الفصل الثاني في شروط الوجوب

وقد تقدم في النقدين شروط الزكاة من حيث الجملة، وكذلك موانعها، وإنما يقع البحث ها هنا عن الشروط الخاصة بهذا الباب، أو ما تدعو الحاجة إليه، وهي ثلاثة‏:‏ الشرط الأول‏:‏ الحول، وقد تقدم اشتقاقه، وفيه أربعة فروع‏:‏ الأول‏:‏ الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أبدل ماشية بجنسها بني على حولها إلا أن تنقص الثانية عن النصاب، وقاله ابن حنبل، أو بغير جنسها لم يبن إلا أن يكون فارا فليأخذ الساعي منه زكاة ما أعطي وإن كانت زكاة الذي أخذ أفضل، قال سند‏:‏ وروى ابن وهب‏:‏ يبني في غير الجنس سدا لذريعة الفرار، وقال الأئمة برواية ابن القاسم، ومنع ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ البناء في الجنس وغيره في النقدين والمواشي‏.‏

‏(‏تمهيد‏)‏‏:‏ لما قال عليه السلام ‏(‏

لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ المال الأول لم يحل عليه الحول فلا زكاة، ولأنهما لا يلفقه النصاب منهما، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر، قلنا‏:‏ الحديث معناه‏:‏ أنه عليه السلام أشار إلى الجميع بوصف المالية فقال‏:‏ لا زكاة في مال، ولم يقل في بقر أو غنم، فاعتبر ما هو مال، الذي هو معنى مشترك، وأعرض عن الخصوصيات، ولقد أدرك ‏(‏ح‏)‏ هذا المعنى وبالغ فيه حتى جمع النصاب من النقدين بالقيمة، لكنه ورد عليه بعض النصاب الذي قيمته نصاب من غير صنفه فلا زكاة فيه إجماعا، فلا يستقل اعتبار المالية كيف كانت، وأعرض ‏(‏ش‏)‏ عن هذا المعنى إعراضا كليا اعتمادا على ظواهر الألفاظ إن سلمت له، وتوسط مالك - رحمه الله - بين الموقفين طريقة مثلى فأنزل النقدين منزلة المواشي؛ لأنها أصول الأموال، والجنس منزلة جنسه لحصول التماثل والتقارب بخلاف غير الجنس لفرط التباين، قال سند‏:‏ وإذا فرعنا على البناء في غير الجنس فزكى زرعا ثم ابتاع به غنما بعد شهر، فقال سحنون‏:‏ لا يبني؛ لأن الأول من الأموال الحولية، وقال عبد الملك‏:‏ يبني كغير الجنس من الماشية عليها‏.‏ فقال عبد الملك‏:‏ فسواء باع ماشية بماشية، أو بثمن وأخذ فيه خلافها، ورواه ابن وهب عن مالك سدا للذريعة، فإن أخذ بالثمن من جنس ما باع استقبل حولا عند مالك ببقاء التهمة خلافا لعبد الملك، وروي عن مالك عدم البناء في الجنس وغيره، وإذا قلنا بالبناء في غير الجنس فيخير الساعي فيهما، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا أبدل ما دون النصاب بأحد النقدين وليست للتجارة انقطع الحول، وإذا أبدل الماشية بغير جنسها فعلى القول البناء لا بد أن يكون الثاني نصابا ولو كانت الأولى دون النصاب لاختلف في البناء على القول به ولو تخلل بين الماشيتين عين ولم تكن الأولى للتجارة واستقبل بالثانية حولا في رواية ابن القاسم، وروى مطرف البناء على الأول، وأما الفار فيبني على كل حال، ولو استهلكت ماشيته فأخذ بدلا عن القيمة ماشية، ففي جعله من بدل الماشية بالماشية أو باب تخلل العين قولان، سببهما‏:‏ أن من خير بين شيئين فاختار أحدهما، هل يعد كالمنتقل أم لا‏؟‏ وفي هذه القاعدة للأصحاب قولان‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أفاد ماشية ثم أفاد من جنسها ضمه إليها، خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ قبل الحول أو بعده، قبل قدوم الساعي إن كانت الأولى نصابا بنفسها‏.‏ وإلا استقبل بالجميع حولا من يوم أفاد الثانية من غير الجنس، فكل على حوله إجماعا، لنا في الجنس على ‏(‏ش‏)‏‏:‏ أن الجنس يضم إلى جنسه في النصاب الذي هو السبب فأولى أن يضم في الحول الذي هو شرط، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏، قال سند‏:‏ ولا فرق في الضم بين موضع فيه سعاة أم لا، والفرق بين الماشية في ضم الثانية إلى الأولى بخلاف النقدين، من ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن النصاب يتغير بضم الثانية ويتغير الصنف المأخوذ في جنسه كالانتقال من الغنم في الإبل إلى بنت مخاض في سنة كالانتقال إلى بنت لبون عن بنت مخاض بخلاف العين في ذلك كله، وثانيها‏:‏ أن الماشية لها أوقاص غير معتبرة فجاز أن يكون الضم فيها، وثالثها‏:‏ تكلف السعاة بسبب تعدد الأحوال، إذا لم تضم الثانية بخلاف النقدين، ولو كانت الماشية الأولى نصابا فنقصت قبل حولها ضمها إلى الثانية ولو زكاها غيره ثم باعها له، ضمها وزكاها الساعي، وكذلك لو ورثوها بعد التزكية‏.‏

الثالث‏:‏ إذا باع دون النصاب من الماشية بعد الحول لم يزد الثمن؛ لأن الأصل تجب فيه الزكاة إلا أن يكون للتجارة كما تقدم في التجارة‏.‏ قال سند‏:‏ وروي عن مالك‏:‏ يزكي ثمن دون النصاب، وقال عبد الملك‏:‏ وكذلك لو أبدله بنصاب من جنسه أو غير جنسه كالذهب مع الفضة والربح مع الأصل، الرابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا غصبت الماشية فردت بعد أعوام، قال ابن القاسم‏:‏ يزكي لعام واحد، وقال أيضا‏:‏ لكل عام إلا أن تكون السعاة زكتها فتجزئه كما لو كانت نخلات، قال سند‏:‏ قيل‏:‏ اختلاف قول ابن القاسم على الخلاف في رد الغلات، فإذا قلنا‏:‏ لا يردها الغاضب لا يزكيها لعدم انتفاع ربها بها، ويجري فيا الخلاف الذي في العين المغصوبة، قال سند‏:‏ فهذا فيه نظر؛ لأن أولادها ترد معها وهو يا ثل عدم تزكيتها تزكى لخروجها على يده وتصرفه فتزكى على لعام واحد كعروض التجارة، ووجه التزكية لكل عام‏:‏ تعلق الزكاة بعينها كما لو كانت نخلة‏.‏ وسرقت ثمارها، والفرق بينها وبين الماشية يأخذها العدو ثم تقع في المغنم تزكى لعام واحد‏:‏ حصول شبه المك للعدو ولأنه لو أسلم ثبتت له، فلو ظلت له الماشية من غير غصب ثم وجدت بعد أعوام زكاها عند ابن القاسم لماضي السنين، والفرق، أنها مضمونة في الغصب والمنافع للغاصب‏.‏ وذلك يشبه الملك، فإذا قلنا‏:‏ تزكى لكل عام فلا يضمن الغاصب ما أخذه السعاة، وإن أخذوا من عينها، فإن أعطى الغاصب من عنده أو كانت خمسا من الإبل، فإن قلنا‏:‏ بالإجزاء لم يضمن وإلا ضمن، وحيث قلنا بالإجزاء فلا يضر عدم نيته كما لو امتنع، فإذا أخلطها الغاصب بغيرها لم يزك زكاة الخلطاء لعدم رضا ربها بذلك، كما لو خلط الرعاء المواشي بغير رضا أربابها، وإذا ردها الغاصب ولم يكن الساعي يمر بها زكاها لما مضى على ما يجدها إلا ما نقصته الزكاة كالذي يغيب عنه الساعي لا كالفار، ولأن ربها لم يكن معتديا، فإن غصب بعض الماشية وبقي في يده دون النصاب فلا يزكيه الساعي، فإذا عادت زكى الجميع لماضي السنين على ظاهر المذهب، وعلى القول بتزكية المغصوب لعام واحد، يزكي الجميع لعام واحد، فلو غصب له أربعون من ثمانين ضمن الغاصب ما يؤخذ منها؛ لأنها وقص دون الساعي؛ لأنه حاكم معذور، فلو ردت الماشية بالعيب قبل مجيء الساعي استقبل البائع حولا لانقطاع ملكه، فإن زكاها المشتري ثم ردها لم يضمن كالغاصب، قاله سحنون، قال سند‏:‏ وفيه نظر؛ لأن ثواب الزكاة له خلاف الغاصب‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ مجيء الساعي، وأكثر الأصحاب على أنه شرط في الوجوب، لا في الضمان، قال سند‏:‏ قال عبد الوهاب وغيره من أئمتنا و‏(‏ش‏)‏‏:‏ هو من شروط الوجوب، وعند ‏(‏ح‏)‏ هو من شروط الضمان فقط، وهو حقيقة المذهب نقوله في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا باع ماشيته بعد الحول قبل مجيء الساعي لا أرى عليه الشاة التي كانت وجبت عليه إلا أن يكون فارا فعليه الشاة التي كانت وجبت، فجعلها واجبة في الصورتين قبل مجيء الساعي، ولهذا لو غاب سنتين ثم جاء أخذ لماضي السنين، فحقيقة الوجوب تترتب على النصاب والحول واستمراره ‏(‏ويكون الساعي كالخلطة يخفف تارة ويثقل أخرى، قال صاحب ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ والمشهور‏)‏‏:‏ لمجيء الساعي، ولا يمنع المالك من التصرف المباح‏:‏ أنه شرط في الوجوب؛ لأن الأئمة لما امتنعوا من بعث السعاة ست سنين وانقضت بعثوا السعاة فزكوا ما وجدوا على حاله والله أعلم‏.‏

فروع عشرة‏:‏ الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ والسنة أن بيعث السعاة طلوع الثريا استقبال الصيف، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يخرجون قبل المحرم لتحصيل الصدقة فيأخذ الفقراء أول الحول ما يكفيهم لتمام الحول، ولقول عثمان - رضي الله عنه - هذا شهر زكاتكم‏.‏ ولأن ربطه بالثريا يؤدي إلى زيادة في الحول لزيادة السنة الشمسية على القمرية، والجواب عن الأول‏:‏ أن المقصود سد الخلة، وهو لا يختلف عن الثاني‏:‏ أنه محمول على النقدين، فإن الدين مختص إسقاطه بهما‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أن ذلك مغتفر لأجل أن الماشية في زمن الشتاء تكتفي بالحشيش عن الماء، فإذا أقبل الصيف اجتمعت عند المياه فلا يتكلف السعاة كثرة الحركة، ولأنه عمل المدينة، قال سند‏:‏ ويخرجون للزرع والثمار عند كمالها، قال مالك، وعلى السعاة‏:‏ أن يأتوا أرباب الماشية ولا يبعثون إليهم، فإن كانوا بعيدين عن المياه‏:‏ قال مالك‏:‏ يحملون ما عليهم إلى المدينة، أو ينفقون على القيمة للضرورة إذا لم يكن بموضعهم مستحق‏.‏

ولا يجب على الساعي الدعاء لمن أخذ منه الصدقة خلافا لداود‏.‏ واستحبه ‏(‏ش‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بل وصل عليهم‏)‏‏.‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 103‏)‏ أي ادع لهم، لنا‏:‏ أنه عليه السلام والخلفاء لم يكونوا يأمرون بذلك السعاة، بل ذلك خاص به عليه السلام لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن صلواتك سكن لهم‏)‏‏.‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 104‏)‏ فهذا سبب الأمر بذلك، الثاني، في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا استهلكت غنمه بعد الحول قبل مجيء الساعي وهي أربعون، فأخذ قيمتها دراهم زكاها مكانها؛ لأن حولها قد تقدم، وإن أخذ بالقيمة إبلا أو بقرا استقبل الحول، وإن أخذ غنما في مثلها الزكاة فلا زكاة عليه، ولابن القاسم أيضا‏:‏ أن عليه الزكاة كالمبادلة فإن كانت أقل من أربعين فلا شيء عليه، قال سند‏:‏ إن كان مديرا ضم الثمن إلى مال الإدارة الذي كان ثمن الغنم منه، ويزكي على حوله، وإن كان محتكرا زكى القيمة، فإن كانت الغنم للإدارة وأخذ بالقيمة عرضا فلا زكاة، وكذلك البيع، وإن أخذ في قيمتها ماشية من غير جنسها دون النصاب فلا شيء عليه، أو نصابا فيختلف فيه، قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ يحتمل أن يكون الخلاف إذا كانت أعيان الغنم قائمة لم تفت بما أخذت فيها إذ له ترك القيمة‏.‏ أما لو تلفت أعيانها لم يجز خلاف لتعذر أخذ الغنم الآن، وأخذ غيرها مال حادث يستقبل به حولا‏.‏ ولو لم يثبت الاستهلاك لزكاها، ووافقه صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏ وزاد‏:‏ لو كانت قائمة بيد الغاصب لم تفت بوجه من وجوه الفوت لزكاها على حول الأولى لإتمامه ببيع غنم بغنم، الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من ورث غنما أو اشتراها للقنية، ثم باعها‏:‏ بعد الحول قبل مجيء الساعي استقبل بالثمن حولا بعد القبض، إلا أن يبيعها فرارا فلتلزمه زكاة الماشية، ثم قال بعد ذلك‏:‏ يزكي الثمن الآن؛ لأن العين أصل سائر المملوكات ولا يكون لها مالية إلا بها، فإذا أبدلها بأصلها بقيت على حكم الزكاة، وجه الأول‏:‏ أن القنية تبطل حكم النقدين فيستقبل الحول، قال سند‏:‏ أما الفار بالبيع فآثم، ولا تسقط زكاته أن ذلك بعد الحول، وروي عن مالك‏:‏ يزكي الثمن وتسقط الزكاة من الماشية‏.‏ أما قبل الحول فما تقوى فيه التهمة‏:‏ فقال مالك وابن حنبل‏:‏ يؤخذ بزكاة ما باع معاقبة له بنقيض قصده كالميراث، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا زكاة عليه؛ لأن الحول شرط‏.‏ وإن باع غير فار صح البيع عند مالك و‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ محتجا بأن الزكاة أن تعلقت بالمعين بطل البيع لتفريق الصدقة، أو بالذمة فما يقابلها من الماشية رهن بها، وبيع الرهن لا يجوز، وجوابه‏:‏ أن تعلقها بالعين تعلق الجناية بالعبد الجاني، وهو يجوز بيعه، أو تعلق الدين بالتزكية، وبيع الوارث جائز، فلو باع بثمن ثم استقال استقبل بالثمن حولا على ظاهر رواية ابن القاسم في ‏(‏الموازية‏)‏؛ لأن الملك انقطع ثم رجع، فلو غاب الساعي سنين فباعها قبل مجيئه زكى الثمن مكانه عند ابن القاسم لعام واحد، نظرا لأن له أصل ولم يقبضه إلا الآن، وعند ابن المواز‏:‏ لجميع السنين؛ لأن الساعي ليس شرطا في الوجوب، وعند أشهب‏:‏ يستقبل حولا؛ لأن البيع قطع حكمها، فإن كان للتجارة‏:‏ قال أشهب‏:‏ يزكيها لعام واحد لعدم استقرار الوجوب لعدم مجيء الساعي، وعروض التجارة إذا بيعت زكيت لعام واحد، وقال ابن المواز‏:‏ إن كانت يوم البيع أربعا وأربعين فأكثر، والثمن عشرون دينارا زكى الثمن لكل سنة ربع عشر إلا ما نقصته الزكاة نظرا لإصالته في الأموال فإن كانت ثلاثا وأربعين، زكى لأربع سنين، أو لاثنين وأربعين فلثلاث سنين، إلا أن ينقص الثمن عن عشرين، نظرا لعط اشتراط الساعي، والواجب شاة، وهو ربع العشر، فإن باع قبل الحول أقل من أربعين بعشرين دينارا أو بقيت ستة وأربعين‏:‏ قال مالك‏:‏ إن كانت للتجارة زكى العشرين لحول ما ابتاعها به، ويزكي رقاب الماشية لحول شرائها‏.‏ الرابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما نقص من الماشية بعد نزول الساعي، وقبل العدة، لا يتغير به، ويتغير بسببه الواجب؛ لأن التمكن من الأداء إنما يحصل بالعدد، وما هلك قبل التمكن لا يعتد به، وقال سند‏:‏ وكذلك إذا ولدت قبل عدتها وهل يستقر الوجوب بعده ومحاسبته، أو حتى يعين الزكاة‏؟‏ قال مالك‏:‏ إذا سأله فأخبره بمائتي شاة، فقال‏:‏ غدا نأخذ منها شاتين فولدت واحدة، أو كانت مائتين وشاة فماتت واحدة تغير الواجب وزكى عدة ما يجد غدا، وتصديقه له وعدة سواء، وقيل‏:‏ يستقر الوجوب بالعدد والمحاسبة، ومنشأ الخلاف‏:‏ أن الساعي حاكم، وحكمه‏:‏ تعيينه للواجب، أو عده حكم، وتعيينه تنفيذ، فلو كان الواجب من غير الجنس كالغنم في الإبل تعين الواجب وإن هلك بعض الواجب فيه قبل أن يصبح من الغد، وقاله ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لتعلق الوجوب في غير الجنس بالذمة لا بالعين، بخلاف الجنس، ولو مر به فوجد غنمة أقل من أربعين فجاوزه ثم رجع إليه وقد صارت أربعين‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يزكيها؛ لأن السنة أن الساعي لا يمر في العام إلا مرة واحدة، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يزكيها لكمال السبب، الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا قال الساعي‏:‏ أفدت غنمي في شهر صدقة، إلا أذا يظهر كذبه، وإذا كان الإمام عدلا فلا يخرج أحد زكاة ماشيته قبل الساعي، فإن أتى فقال له‏:‏ أديت زكاة ماشيتي، لم يقبل قوله، وأن كان الإمام غير عدل فليضعها مواضعها إن قدر على إخفاء ماشيته عنه، فإن لم يقدر أجزأه ما أخذ، قال سند‏:‏ أما تصديقه له فلأنه أمين، والزكاة مواساة، قال مالك‏:‏ وقد أخطأ من يحلف بالناس، وهو محمول على من لم يعرف بمنعها، وقال الشافعية‏:‏ تعرض اليمين عليه استحبابا، فإن حلف وإلا لم يلزمه شيء، وقسم عبد الوهاب الناس ثلاثة أقسام‏:‏ معروف بالديانة فلا يطالب ولا يحلف، ومعروف بمنع الزكاة يطالب ولا يحلف، ومعروف بالفسوق مجهول الحال في الزكاة فيحلف، وفيه خلاف، وأما عدم الإجزاء قبل الساعي فلعدم الوجوب قبله، إلا لأنه كدفع مال السفيه له‏:‏ بغير إذن وليه، وقال ‏(‏ح‏)‏ خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ فإن تأخر عنه الساعي، قال مالك‏:‏ ينتظره فإن كان لا يمر به الساعي‏:‏ قال سحنون‏:‏ يزكي بعد حول من مرور الساعي على الناس، ويتحرى أقرب السعاة إليه كتضحية من لا إمام لهم، فلو كان بأرض الحرب ولم يجد فقيرا من المسلمين يؤخر زكاة العين حتى يجد المسلمين أو يمكنه بعثها ولا يضمن في الماشية‏.‏ كمن تخلف عنه الساعي، فإن خلص بها زكى لماضي السنين إلا ما نقصته الزكاة؛ لأن الساعي كالنائب، فإذا تعذر تعين اعتبار الأصل، وأما إزواء الزكاة عن أئمة الجور فاستحسنه مالك خلافا لبعض الشافعية، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها‏)‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 60‏)‏ الآية، فيفعل ذلك ما أمكن، حجتهم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ستكون بعدي أمور تنكرونها‏:‏ فقالوا ما نصنع‏؟‏ قال‏:‏ أدوا حقهم واسألوا الله حقكم‏)‏ والأحاديث في هذا كثيرة‏.‏ وجوابها‏:‏ أنها محمولة على المخالفة، أما إذا خفي ذلك فهو محل النزاع، فلو أمكنه إخفاؤها فدفعها للساعي؛ قال مالك‏:‏ لا يجزئه لتعديه على الفقراء، وقال أصبغ‏:‏ تجزئه لأنها تجزئ مع الإكراه، فلو لا أن يده يد المساكين لما أجزأ كالإكراه للمديون على دفع الدين لغير ربه، وأما إجزاؤه مع الإكراه فقاله مالك كما تقدم، وقال ابن القاسم‏:‏ إن وضعوها موضعها أجزأته الصدقة وعوضها، وإلا فلا تجزئه طوعا ولا كرها الصدقة ولا عوضها؛ لأن النيابة الشريعة تبطل بعدم العدالة‏.‏ والأصل إيصال الحق إلى مستحقه، وقال أصبغ‏:‏ الناس على خلافه؛ لأن الوكيل الفاسق يحصل الإبراء بالدفع إليه، وإن لم يوصل الحق لمستحقه، والإمام وكيل من جهة الشرع لرب المال في الأخذ للفقراء، السادس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا هرب بماشيته ثم زادت بعد سنين، ثم أتى الساعي زكى عن كل عام ما فيه، وغير الهارب إذا تأخر عنه الساعي سنين ثم أتى زكى ما وجده لماضي السنين، إلا أن ينقص عن النصاب؛ لأن الأول ضامن للزكاة لو هلكت بخلاف الثاني، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا زكى لماضي السنين بدأ بالسنة الأولى ثم ما يليها حتى ينقص الواجب أو يسقط، وقيل‏:‏ قول ‏(‏الكتاب‏)‏ محمول على من لم يدع أن ماشيته كانت في بعض السنين دون ذلك، قال‏:‏ وقال غيره‏:‏ ذلك بعيد‏.‏ ووافق الأئمة في الهارب، قال سند‏:‏ قيل‏:‏ يزكي الهارب لماضي السنين ما وجد في يده، ولا يكون أسعد حالا ممن غاب عنه الساعي‏.‏ وجوابه‏:‏ أنه أسعد بسبب انتقال الزكاة بالتعدي إلى ذمته، وما في الذمة لا يتغير إلا بسبب طار فلو أقر بأربعين ثلاث سنين فصارت في الرابعة ألفا، قال مالك وابن القاسم‏:‏ عليه شاة لثلاث سنين لنقصانها عن النصاب بعد شاة‏.‏ وتسع سنين لهذه السنة، وقال سحنون‏:‏ عليه ثلاث شياه لثلاث سنين وعشر شياه لهذه السنة؛ لأنه ضامن للزكاة في ذمته بتعديه، فانتقلت عن الماشية، وعلى قول أشهب‏:‏ يزكي الألف لماضي السنين، وأما الذي تأخر عنه الساعي، وكان ماله أول السنين دون النصاب، وكمل عند مجيئه، فلا يأخذه إلا بشاة، ولو زاد عن النصاب، تغليبا للأصل، وقال أشهب‏:‏ لماضي السنين كما يزكي النصب المتكررة عند مجيئه وإن كانت معدومة قبل ذلك، ووافق أشهب إذا كملت بفائدة عن الولادة، والفرق له‏:‏ أنها لا تضم إلا إلى نصاب بخلاف الولادة‏.‏ والفرق لمالك‏:‏ أنه إذا تقدم نصاب أمكن البناء عليه بخلاف إذا لم يتقدم، أما إذا كان أصل المال نصابا، وزاد آخر السنين‏:‏ فقال سحنون‏:‏ يزكي عن كل سنة ما فيها خلافا لما في ‏(‏الكتاب‏)‏؛ لأنه لا يلزم الملاك ما استهلكوه، فأولى أن لا يلزمهم ما ليس عندهم بطريق الأولى، فلو كانت نصابا أول سنة، ثم نقص، ثم رجع بولادة أو مبادلة توجب البناء على الحول الأول، اتصل الحكم بما مضي أو بفائدة بطل حكم ما مضى من الحول، فلو كان النصاب لا يصلح لأخذ الزكاة منه كالتيوس، قال مالك‏:‏ عليه شاة واحدة لجملة السنين بخلاف الخمس من الإبل؛ لأن الأصل تعلق الزكاة بالعين، حتى لو اتفق الساعي معه على تيس جاز، والواجب في الإبل في الذمة فيتكرر لكل عام، وقال عبد الملك‏:‏ يزكي لكل عام كالإبل‏.‏ السابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا غاب عن خمس من الإبل خمس سنين، زكى لكل عام لتعلق الزكاة بالذمة دون العين، أو عن خمس وعشرين بنت مخاض للسنة الأولى فينتقص عن نصاب الأولى فيأخذ الغنم لباقي السنين، أو عشرين ومائة بعشر حقاق، أو أحد وتسعون فحقتان وثمان بنات لبون، قال سند‏:‏ فلو تلف من الخمس والعشرين بغير قبل مجيء الساعي لم يزك إلا بالغنم؛ لأن الوجوب أو الضمان إنما يتقرر في السنة الأولى بمجيئه، الثامن‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من مات بعد الحول قبل مجيء الساعي لم يلزمه ولا ورثته شيء إلا بعد الحول، وقاله ‏(‏ح‏)‏ والورثة كالخلطاء يشترط في حصة كل واحد نصاب، فإن اقتسموا فعلى كل واحد منهم ما يلزمه؛ لأن مجيء الساعي شرط في الوجوب، قال سند‏:‏ لأنه لو دفع إلى المساكين قبله لم يجزه، ووجب الدفع للساعي، ولو نقص النصاب أو هلك بعد الحول أو قبله، فلا زكاة، بخلاف بعد مجيئه، فصار كالحول، والفرق بين الماشية والثمر والزرع يموت ربهما قبل طيبهما‏:‏ أن شركة المساكين فيها أظهر، بدليل الأخذ من الرديء ومن الجيد، وفي الماشية الوسط، والواجب لا يتغير بغير المال، فكذلك إذا مات بعد طيبها زكيا‏.‏ ولو عزل زكاتهما أخرجها بعد تلفها بخلاف الماشية إذا قدم الساعي بعد التلف لا يأخذها، ولو تلفت زكاتهما لم يعدها، بخلاف الماشية إذا تلفت قبل الساعي، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يبني على حول الميت لحصول الحول قبل الموت‏.‏ فلو مر الساعي بالوارث بعد بعض حول تركه للحول الثاني، قاله مالك في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ وقال الشافعية‏:‏ يوصي بقبضها عند كمال حولها، ويصرفها، وهو خلاف المعهود من السلف، فإن كل شهر تتجدد فيه كمالات أحوال، ولم يكن السعاة تتحدث في ذلك، بل كانوا يقتضون مرة في كل عام، التاسع‏:‏ قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ وله أن يبيع ويربح بعد الحول قبل مجيء الساعي، وإن نقص زكاتها، إلا أن يفعله فرارا، فيلزمه ما فر منه، وإن عزل ضحايا فإن أشهد عليها فلا زكاة، وإن وجدها الساعي حية ولم يشهد زكاها، قال محمد‏:‏ يريد أشهد لفلان كذا، لفلان كذا‏.‏ العاشر‏:‏ في ‏(‏البيان‏)‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يبعث السعاة في السنة الشديدة الجدب مرتين ليلا يأخذوا للمساكين مالا ينتفعون به، ثم يأخذون في العام القابل لعامين، ويزكون ما يجدون، قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ روى أصبغ‏:‏ يخرجون مطلقا؛ لأن تأخيرها ضرر بالملاك، وهو أظهر‏.‏

الشرط الثالث، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ التمكن مطالبة الساعي دون قدرة رب الماشية على إيصالها إليه، فلو أخر الزكاة مع الإمكان أتم، وإن تلف النصاب قبل التمكن فلا زكاة على المشهور، وقيل‏:‏ يزكي ما بقي إن كان دون النصاب، نظرا إلى أن الفقراء كالشركاء فيزكي إذ الزكاة متعلقة بالذمة بشرط التمكن، فلو اشترى ماشية وحال الحول قبل قبضها زكاها‏.‏

الفصل الثالث في الواجب في الماشية

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ اختلف في صفة الشاة المأخوذة في الإبل والغنم، فقال ابن القاسم‏:‏ يأخذ الجذع والجذعة والثني والثنية، والضأن والمعز في ذلك سواء، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الثني والثنية سواء، وقاله ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن كانت الغنم كلها ذكورا، وإلا فلا يؤخذ إلا أنثى، قال ابن القصار‏:‏ الواجب عندنا‏:‏ الإناث، في جهة الإجزاء‏:‏ ‏"‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

في أربعين شاة شاة‏)‏ ولم يخصص، وقياسا على الضحايا والهدايا، ولأن ذكور الضأن أطيب لحما وأكثر ثمنا فعادل بذلك لبن الأنثى وسلمها، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الجذع من الضأن والمعز في الزكاة سواء، ويؤخذ الثني من الضأن ذكرا كان أو أنثى، ولا يؤخذ الثني من المعز الأنثى؛ لأن الذكر ثلاثي، ويحسب عليه رب المال‏:‏ والتيس والعمياء والمريضة والهرمة والسخلة والعرجاء، فإن كانت الغنم كلها من ذلك لزم ربها الإتيان بما عليه؛ لأنه الواجب، وكذلك إذا كانت عجاجيل أو فصلانا، وإذا رأى المصدق أن يأخذ ذات العورأ والتيس أو نحو ذلك أخذه؛ لأنه حاكم يجب عليه أن ينظر بالمصلحة، ولا يأخذ من الصغار شيئا، لقول عمر المتقدم، وإذا كانت ربى كلها أو ماخضا أو أكولة أو فحولا لم يكن للمصدق الأخذ منها، ويأتي ربها بالجذع والثنية، ولا يأخذ ما تحت الجذع، وإن رضي رب المال الماشية بما فوق الثني أخذه، قال سند‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إذا لم يجد جذعة ولا ثنية أخذ الربي والمواخض زادت العورا فيأخذ مما وجد قياسا على الثمار، وقول عمر محمول على الغالب، لنا‏:‏ ما في الصحيحين قال عليه السلام لمعاذ لما بعثه إلى اليمن‏:‏ ‏(‏اتق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حاجب‏)‏‏.‏

وفي ‏(‏الجواهر‏:‏ أسباب النقص أربعة‏:‏ المرض والصغر والعيب والذكورة، قال القاضي أبو الحسن‏:‏ لا يأخذ المصدق ذات العيب وإن كانت قيمتها خلافا لما في ‏(‏الكتاب‏)‏‏.‏

فوائد‏:‏ ذات العور، أي ذات العيب والتيس دون الفحل، وهو عيب بخلاف الفحل، قال الأزهري‏:‏ أول ما يولد الواحد من الغنم يسمى سخلة ذكرا كان أو أنثى ضأنا أو معزا، ثم بهمة للذكر والأنثى وجمعها بهم، فإذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه، فأولاد المعز حقاق بالكسر، الواحد جفر، فإذا رعي وقوي فهو عريض بالعين المهملة وعتود، وجمعها عرضان وعتدان، وهو في ذلك كله جدي بفتح الجيم وسكون الدال، والأنثى عناق، وجمعها‏:‏ عنوق جاء على غير قياس، ما لم يأت الحول بالذكر تيس والأنثى عنز، ثم يجذع في السنة الثانية، فالذكر جذع والأنثى جذعة، ثم يثني في السنة الثانية فالذكر ثني والأنثى ثنية، ورباعي في الرابعة، وسدس في الخامسة، وضالع في السادسة، وليس له بعد ذلك اسم، قال‏:‏ وقال ابن الأعرابي‏:‏ الجذع من الضأن إذا كان بين الشاتين لستة أشهر، وبين الهرمين يجدع لثمانية أشهر، وقال يحي بن آدم‏:‏ إنما يجزئ الجذع من الضأن دون المعز؛ لأنه ينزو فيلقح، والمعز لا تلقح حتى تثنى، ووافقه أبو الطاهر على ذلك، وقال الأصمعي‏:‏ يجذع المعز لستة والضأن لثمانية أشهر وتسعة، قال سند‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ الثني هو الذي طرح ثنيته له سنتان، ودخل في الثالثة من الضأن والمعز، وروى عن الأصمعي‏:‏ الجذع ابن سنة من الضأن والمعز، وقيل‏:‏ ما له ستة أشهر، وقيل‏:‏ عشرة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ التحاكم في هذا إلى أهل اللغة، والأشهر أن الجذع ابن سنة، وقال غيره‏:‏ سمي جذعا لسقوط أسنانه، ويروى النهي عن أخذ حرزات الناس وهي خيار أموالهم التي يحزونها في نفوسهم‏.‏

فرعان الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ المأخوذ يختص بغير الأوقاص، والوقص لا شيء فيه، وهو بين الفريضتين في جميع الماشية‏.‏

فائدة‏:‏ في ‏(‏التنبيهات‏)‏‏:‏ الوقص بفتح الواو‏:‏ ما لا زكاة فيه مما بين الفريضتين في الزكاة، وجمعه‏:‏ أوقاص، وقال أبو عمران‏:‏ هو ما وجبت فيه الغنم كالخمس من الإبل إلى العشرين، وقيل‏:‏ هو في البقر خاصة، قال سند‏:‏ الجمهور على تسكين القاف، وقيل‏:‏ يفتح؛ لأن جمعه أوقاص كجمل وأجمال وجبل وأجبال، ولو كانت ساكنة لجمع على أفعل مثل فلس وأفلس وأكلب، ولا حجة فيه؛ لأنهم قالوا‏:‏ حول وأحوال وقول وأقوال، وكبر وأكبار، قال الجوهري‏:‏ وقص العنق كسرها ووقصت به راحلته وبفتح القاف قصرا العنق، وواحد الأوقاص في الصدقة بين الفريضتين، وكذلك الشنق، وقيل‏:‏ الوقص في البقر، والشنق في الإبل، ويقال‏:‏ توقصت به فرسه إذا نزى نزوا قارب الخطأ‏.‏

واعلم أن هذه اللفظة معلومة قبل الشرع فيجب أن تكون لمعنى لا تعلق له بالزكاة التي لم تعلم إلا من الشرع، واستعيرت من ذلك المعنى اللغوي لهذا المعنى الشرعي، وذلك يحتمل أن يكون وقص العنق الذي هو قصره لقصوره على النصاب، أو من وقصت به فرسه إذا قاربت الخطو؛ لأنه تقارب النصب، وقال سند‏:‏ ولمالك و‏(‏ش‏)‏ في تعلق الزكاة في بالوقص قولان، وأسقطها ‏(‏ح‏)‏ وجب عدم التعلق وما في كتاب عمر - رضي الله عنه -‏:‏ وليس فيه شيء حتى تبلغ المائة، ولأن ما قبل الوقص واجب الزكاة وما بعده طردي، وجه الجواب‏:‏ ما في الأحاديث من قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ففيها شاة إلى تسع، ففيها شاتان، إلى مائة وعشرين‏)‏ وحرف ‏(‏إلى‏)‏ يوجب امتداد ما قبلها من الحكم إلى آخر الغاية، كقوله‏:‏ يعتد من ها هنا إلى ها هنا، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلى المرافق _ إلى _ الكعبين‏)‏‏.‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 6‏)‏ وإلا سقط ويتفرع على الخلاف إذا كان معه تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول، أن قلنا‏:‏ الوقص معتبر سقط من الشاة أربع أتساعها، فإن تلف خمس بعد الحول وقلنا‏:‏ الإمكان شرط في الضمان، سقط من الشاة خمسها، وإن قلنا‏:‏ الوقص لمعنى، وإلا سقط خمسه أتساعها وكذلك لو كان معه ثمانون من الغنم فتلف منها أربعون بعد الحول

الثاني، في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ أن كان له ستون ضانية، وسبعون أخذت من كليهما شاتان، وإن كانت المعز خمسين فضانية ولو كان ستين وستين لخير الساعي، ولو كانا مائة وعشرون ضانية، وأربعين معزى أخذ شاتين منها، ولو كانت المعز ثلاثين أخذهما من الضأن، ولو كانا ثلاثمائة ضانية وتسعين معزى فثلاث ضوائن، والمعز وقص حتى تبلغ مائة ففيها شاة، ولو كانت ثلاثمائة وخمسين وخمسون معزى فثلاث ضوائن، ويخير في الرابعة إما من الضأن وإما من المعز، ولو كانت الضأن ثلاثمائة وستين، والمعز أربعين أخذ الأربعة من الضأن، قال سند‏:‏ إن كان النصاب من صنفين على السواء يخير، فإن كان أحدهما أكثر من النصاب أخذت من الأكثر؛ لأن الأقل تبع، فإذا بلغت مائة وعشرون وهم متساويان يخير، أو كانت الضأن الأكثر أخذ منها، والمعز الأكثر، ونقص نصابها عن الأربعين، أخذت من المعز؛ لأن الضأن لغو، وإن لم ينقص عن الأربعين فذلك عند ابن القاسم ترجيحا للأكثر، وقال ابن مسلمة‏:‏ يتخير الساعي؛ لأن كل واحد يجب فيه شاة، ولا حيف على رب المال، لا سيما إذا قلنا‏:‏ الوقص يلغي، فإن وجب شاتان وتساوي الصنفان أخذهما من كليهما، فإن تفاوتا لم يجب في أحدهما - لو انفرد – الشتان، أخذت شاة من أكثرهما، واعتبر ما يزيد على النصاب مع الأقل فهما متساويان، أو أحدهما أكثر، فإن كان فاضل الأكثر أكثر، والأقل نصاب أخذت الثانية منه عند ابن القاسم، ومن الأكثر عند سحنون تغليبا للأكثر، وعند ابن القاسم لما أثر الأول في الزكاة وهو نصاب لم يحل من الزكاة، فإن لم يبلغ الأول نصابا فلا يختلف في أخذ الثانية من الأكثر، فإن كان فاضل الأكثر أقل، أخذت الثانية من النصف الآخر، وإن لم يبلغ نصابا، وهذا إنما يتصور في أربعين بقرة وعشرين جاموسة، وكذلك إذا بلغ نصابا؛ لأنه لو انفرد لوجبت الشاة‏.‏

فإن استوى فاضل الأكثر مع الصنف الآخر، ولا يكون ذلك إلا في الثاني نصاب أخذت الثانية من غير فاضل الأكثر عند ابن القاسم؛ لأنه نصاب أثر في الزكاة، وعند سحنون من فاضل الأكثر، فإن كانت ثلاثمائة وتسعون أخذت ثلاث ضوائن؛ لأن التسعين وقص؛ لأن النصاب ها هنا مائة أخذت منها معزى، ولو كانت ثلاثمائة وخمسين ثانية وخمسين معزى فثلاث ضوائن، وخير من الرابعة عند ابن القاسم، كما لو كان ستين وأربعين معزى، فإن الأخذ من الأكثر، والأربعون ها هنا لا تكون نصابا، فلو كانت المعز ستين أخذت منها؛ لأنها أكثر النصاب ها هنا، وفي مائتين ضانية ومائة معرى؛ لأنها واجبها في مائتين وإحدى وعشرين، ووجبت الثالثة بانضمام المعز وهي نصاب، وأكثر مما فضل من الأكثر، وكذلك عند ابن القاسم في مائة وإحدى وعشرين معزى، والضأن مائة وثمانون ضانيتان ومعزى، وعند ابن مسلمة‏:‏ شاتان في أيهما شاء، والثالثة في الصنف الآخر؛ لأن في كل صنف نصابا للشاتين حتى تزيد على الثلاثمائة ينقلب النصاب إلى المبين بالسنة وفي ثلاثمائة وخمسة وعشرين ضانا ومعزى على السواء ضانية ومعزى ويتخير في الثالثة عند ابن القاسم وابن مسلمة لانقلاب النصاب إلى المبين، ولو كثر أحدهما كان الأخذ منه، قال ابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ وكذلك اجتماع الجوامس والبقر والبخت والعراب يريد‏:‏ في خمسة وعشرين بختا وعرابا على السواء بنت مخاض في إحداهما، فإن كان إحداهما أكثر فمنه، فإن كانت ستة وسبعين فهي نصاب واحد، تؤخذ بنت لبون من أيهما شاء الساعي إن استويا، فإن كان أحدهما أكثر فمنه، وكذلك الحقتان في إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين، فهي في حكم النصابين، وزعم اللخمي‏:‏ أن الستة والسبعين في حكم النصابين إن كانت العراب خمسين أخذ من كل واحد بنت لبون، أو ستين أخذتا منهما، فإنه إذا أخذت بنت لبون عن نصف الجميع وهو سبعة وثلاثون كان باقي العراب أربعة وعشرون وستة عشرة عرابا، فهي أكثر، قال‏:‏ وهو قول ابن مسلمة، ويتخير الساعي عند مالك في مائة وإحدى وعشرين في حقتين أو ثلاث بنات لبون، فإن كانت البخت أقل من عشرين، لم يأخذ منها شيئا؛ لأنها ليست أكثر نصاب الخمسين، وإلا الأربعين، فإن بلغت عشرين واختار بنات اللبون فله أخذ بنت اللبون منها، لأنها نصف نصابها، وإن اختار حقتين فلا، وإن بلغت ثلاثين واختار بنات اللبون أخذ واحدة منها، وإن اختار الحقتين فعلى قول ابن القاسم‏:‏ يأخذهما من العراب لتعلق الحقة لخمسين من العراب، وفاضلها أكثر من البخت، وعلى قول ابن مسلمة‏:‏ يأخذ الثانية من البخت؛ لأنها يضاف إليها عشرون، فيكون أكثر نصاب الخمسين، والزائد وقص ولو كانت أربعين، واختار بنات اللبون والحقتين أخذ منهن واحدة؛ لأن العراب لا تبلغ نصابين، فلو كانت ستين واختار بنات اللبون، أخذ من كل صنف واحدة وخير في الثالثة لتساوي عددهما في نصابهما، وإن اختار حقتين أخذ من كل صنف حقة، وإن كانت سبعين أخذ منها ابنتين لبون، وإن اختار الحقتين لحقه؛ لأنها نصابها، وإن كان نصابها ثمانين فابنا لبون، ومن العراب بنت لبون أو حقة عن خمسين، والثانية من العراب عند ابن القاسم؛ لأنها الأكثر مما بقي، وعند ابن مسلمة تأخذ الثانية من البخت؛ لأنه يضيف إليها عشرين فيكمل نصابها، وأكثر بخت، فإن كانت تسعين فأكثر أخذ الحقتين منها وفاقا، وكذلك ثلاثون من البقر منها عشرون جاموسا، فالتبيع من الجوامس، ولو كانت خمسة عشرة يخير الساعي، وكذلك لو كانت أربعين أو خمسين، فلو كانت ستين فهما نصابان، في كل ثلاثين تبيع، فإن استويا أخذ من كل صنف تبيع، فإن كان الجاموس أربعين، أخذ عند ابن القاسم من كل صنف تبيع؛ لأن النصاب الآخر أكثره يقر بعد إسقاط الأول، قال سحنون‏:‏ يأخذهما من الجوامس فتكون عشرون جاموسا، وعشر بقرات، والصواب عدم الفض كما في الحبوب، بل يخرج من كل صنف ما أمكن، ولو اجتمع ثلاثون جاموسا وثلاثون بقرة، فإنه يأخذ من كل واحدة تبيعا، ولو صح السقيط تخير الساعي، وليس كذلك، فلو كان أحد الصنفين فيه الواجب دون الآخر أخذ الساعي ما وجد، فإن لم يكن فيها‏:‏ كلف الساعي أيهما شاء‏.‏

النوع الثاني، زكاة البقر‏:‏ قال صاحب ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الدينة في اللغة لفظ الغنم مأخوذة من الغنيمة، والبقر الذي هو الشق؛ لأنها تبقر الأرض بسنها، والجمال من الجمال؛ لأن العرب تتجمل بها، والنعم والنعمة من النعيم والنعماء كلها من لفظة نعم؛ لأن الجواب بها يسر بها غالبا، فاشتق منها ألفاظ هذه الأمور لكونها سارة، وقال غيره‏:‏ النعم من نعامة الرجل وهي صدرها، والنعم يمشي على نعامة أرجلها‏.‏ وقد تقدم الكلام على الشروط والموانع وكثير من الفروع في النعم، والكلام ها هنا يختص بنفس السبب، ففي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ليس في البقر شيء إلى ثلاثين ففيها تبيع ذكر إلى أربعين خمسة أنثى إلى ستين فتبيعان إلى سبعين فمسنة وتبيع إلى ثمانين فمسنتان، وكذلك الجوامس، لما في أبي داود‏:‏ أنه عليه السلام لما وجه معاذ ابن جبل إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة‏)‏، وقاله الأئمة، قال ابن المسيب والزهري‏:‏ في كل خمسين شاة، لتسويته عليه السلام بين البقر والإبل في الهدي‏.‏ وجعل كل بدنة صدقة أو بقرة بسبع شياه، ويرد عليهم أن خمسا من الإبل بخمس وثلاثين من الغنم، ولا يجب فيهما ما يجب في الخمس، ولأنه عدل أول الأمر إلى الذكر مع نقصه فدل ذلك على أنه ابتدأ الفرض كالغنم في الإبل‏.‏

فوائد‏:‏ قال الأزهري‏:‏ ابن السنة تبيع، وفي الثانية جذع وجذعة، وفي الثالثة ثني وثنية وهي المسنة؛ لأنها ألقت ثنيتها، وفي الرابعة رباع؛ لأنها ألقت رباعيتها، وفي الخامسة سدس وسديس لإلقائها السن المسمى سديسا، وفي السادسة ضالع، ثم يقال‏:‏ ضالع سنة وضالع سنتين، فأما الجذع فقال الجوهري‏:‏ ليس باعتبار سن تسقط ولا تطلع ولكن باعتبار الزمان، قال سند‏:‏ قال عبد الوهاب‏:‏ التبيع له سنة قد دخل في الثانية، وقاله الشافعية، وقال الخطابي‏:‏ هو عجل ما دام يتبع أمه إلى سنة فهو جذع، وقيل‏:‏ يسمى تبيعا؛ لأنه تبيع أمه، وقيل‏:‏ لتبع قرنيه أذنيه لتساويهما، واختلف في تسميته جذعا، فرآه ابن نافع وابن حبيب ابن سنتين، وقد وقع في بعض روايات الحديث، وقال ابن نافع أيضا‏:‏ الجذع ما دخل في الثالثة والأول قول الجمهور، وقيل‏:‏ يسمى جذعا إذا أخرج قرنه، وقال عبد الوهاب‏:‏ المسنة ما دخلت في الثالثة، وقال ابن المواز‏:‏ ما دخل في الرابعة، ويدل عليه أن بنت الأربعة من كرائم الأموال فلا يتعلق بها الوجوب كسائر الكرائم، ولرب المال أن يدفع عن التبيع الأنثى والمسنة لفضلهما عليه، ولا يأخذ الساعي المسنة الأنثى وان كانت ذكورا، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يجوز الذكر وإن كانت إناثا، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ إذا لم تكن ذكورا، فإن لم توجد مسنة خير الساعي رب المال عليها ألا أن يطوع بأفضل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ما زاد على الأربعين بحسابه؛ لأن الوقص يتوقف على النص، ففي الخمسين‏:‏ مسنة وربع؛ لأن وقص البقر لا يزيد على تسع، لنا‏:‏ ظاهر الحديث‏.‏

النوع الثالث‏:‏ الإبل، وقد تقدم الكلام على الشروط والموانع وكثير من الفروع في النقدين والغنم، والكلام ها هنا على السبب، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ليس فيها دون خمس ذود من الإبل صدقة، وفيها شاة إلى عشر فشاتان، إلى خمسة عشر فثلاث شياه، إلى عشرين فأربع شياه، إلى خمس وعشرين فبنت مخاض، فإن لم توجد فابن لبون ذكر، فإن لم يوجدا جميعا خير ربها على بنت مخاض إلا أن يعطي شيئا خيرا منها، فليس للساعي ردها، فإن أبي فابن لبون لم يأخذه، إلى ستة وثلاثين فبنت لبون، إلى ست وأربعين فحقة طروقة الفحل إلى إحدى وستين فجذعة، إلى ستة وسبعين فابنتا لبون، إلى إحدى وتسعين فحقتان، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة خير الساعي بين حقتين وثلاث بنات لبون، قال ابن القاسم‏:‏ لا يأخذ إلا بنات لبون كن في الإبل أم لا، واتفقوا إذا بلغت ثلاثين ومائة أن فيها حقة وابنتي لبون‏.‏

‏(‏نظائر‏)‏ قال العبدي‏:‏ من المسائل التي اختار ابن القاسم فيها غير اختيار مالك أربع‏:‏ ما تقدم في بنات اللبون، إذا قال‏:‏ أنت حر وعليك مائة، قال مالك‏:‏ هو حر وعليه مائة، وقال ابن القاسم‏:‏ حر ولا شيء عليه، وإذا اختلط دينار لرجل بمائة لآخر فضاع منها دينار، قال مالك‏:‏ هما شريكان، هذا بمائة جزء، وهذا بجزء، وقال ابن القاسم‏:‏ لصاحب المائة تسعة وتسعون، ويقتسمان الدينار نصفين، وإذا ادعى الغرماء على الوصي التقاضي‏.‏ فأنكر فإنه يحلف، فإن نكل ضمن القليل، وتوقف مالك في الكثير، وضمنه إياه ابن القاسم‏.‏ فما زاد ففي كل خمسين حقة وأربعين ابنت لبون فإذا بلغت مائتين خير الساعي بين أربع حقاق أو خمس بنات لبون، كانت الأسنان في الإبل أم لا، ويخير رب المال بأن يأتيه بما شاء، إلا أن يكون في الإبل أحدهما، وقد تقدم في باب الغنم كتابه عليه السلام في جميع الأنعام، قال أبو الطاهر‏:‏ الواجب في المائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون، والخيار في ذلك للساعي أو لرب المال، والتفرقة إن وجدا جميعا يخير الساعي، وإن فقدا أو أحدهما خير رب المال، فالأول لوجود الأسباب للسنين، والثاني نظرا لأن الزكاة مواساة، والثالث جمع بين المدركين، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا كان في المائتين أحد السنين أخذه وإن وجدا أو فقدا يخير الساعي، قال محمد‏:‏ يخير _ إلا أن يضر برب المال _ أربع حقاق، وروى ابن القاسم‏:‏ إذا فقدا أخذ الساعي أي السنين أتى به رب المال، قال أصبغ‏:‏ وليس هذا بشيء بل هو مخير، وروي عن مالك‏:‏ إذا زادت المائة والعشرون واحدة لا يخير بين الحقتين وبنات اللبون إلا إذا اجتمعا في المال والغنم المأخوذة في الإبل يتعين فيهما الضأن والمعز بحسب حال غنم البلد، وقال في كتاب ابن سحنون‏:‏ يعتبر حال المالك إذا كان مخالفا للبلد في غنمه‏.‏

فائدة‏:‏ قال سند‏:‏ الذود لما بين الثلاثة إلى العشرة، وقال ابن حبيب‏:‏ إلى تسع وما فوق التسع‏:‏ شق، إلى أربعة وعشرين، ولا ينقص الذود عن ثلاثة كالبقر، وقال غيره‏:‏ لا واحد للذود من لفظه، كالنساء والخيل، وقال عيسى بن دينار‏:‏ يقال الواحد والجماعة‏:‏ ذود، قال‏:‏ والأول هو المعروف في اللغة، والحديث يؤكده، فإنك تقول‏:‏ خمس رجال‏.‏ ولا تقول‏:‏ خمس رجل، قال المطرزي وغيره من اللغويين‏:‏ هو اسم للإناث دون الذكور، ولذلك حذفت التاء من الخمس في الحديث، وتكون الزكاة في الذكور بالإجماع لا بالحديث، نظيره ‏(‏فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏)‏‏.‏ ‏(‏النساء‏:‏ 25‏)‏ والحق بهن العبيد، عكسه من أعتق شركا له في عبد‏.‏

تفريع‏:‏ قال‏:‏ ودفع بغير موضع الشاة في الخمس يتخرج – عندنا - على جواز إخراج القيم في الزكاة، وجوز ‏(‏ح‏)‏ الوجهين، و‏(‏ش‏)‏ البعير في الخمسة دون القيمة، والبعير عن شاة في أربعين من الغنم، والفرق‏:‏ أن الأصل إخراج الزكاة من الجنس، ولا يأخذ ابن اللبون مع وجود ابنة مخاض على المشهور، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وجوزه ‏(‏ح‏)‏ إذا كان بقسمها‏.‏ لنا‏:‏ ما في النص من اشتراط عدم وجدانها في أخذه والفرق لنا بين جواز أخذ الأعلى سنا، وبين أخذ الأدنى‏:‏ أن الأعلى كالمتضمن للأدنى في ذاته، فلا قيمة، والأدنى إنما يساوي الأعلى بقيمته لا بذاته، ومنع قوم من أخذ ابن اللبون إذا لم يكن عنده بنت مخاض وهو قادر على ثمنها قياسا على القدرة على ثمن الماء في الطهارة والرقبة في الظهار، والفرق‏:‏ أن الله تعالى اشترط فيها عدم الماء والرقبة مطلقا، فعم العين وثمنها، واشترط هنا عدمها خاصا بالمال فقال‏:‏ إن لم توجد فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر، ولأن الزكاة مواساة فتحبس فيها الرفق بخلافهما، وإذا كان في المال بنت مخاض معيبة جاز ابن اللبون، فإن أخرج ابن اللبون وزاد ثمنا، وعنده بنت مخاض أو بنت مخاض مكان بنت لبون وزاد ثمنا، قال ابن القاسم‏:‏ لا خير فيه، فإن وقع أجزأ، وقال أصبغ‏:‏ عليه في الأول رد الثمن لأخذه إياه بغير حق، وعلى المالك في الثاني إعطاء الأصل، قال‏:‏ والأحسن الإجزاء في الوجهين‏.‏ لأن الساعي حاكم فلا ينقص حكمه، وإذا لم يكن في المال الشيئان وخير على بنت مخاض، وأتى بابن لبون‏:‏ ففي ‏(‏الكتاب‏)‏ لابن القاسم‏:‏ ذلك إلى الساعي، وقال مالك في ‏(‏الموازية‏)‏‏:‏ لا يأخذ إلا ابنة مخاض؛ لأنها أفضل للمساكين، وإنما جوز الشرع أخذه حالة وجوده في المال المتيسر، وهاهنا هما معدومان، فيرجع إلى الأصل، ولو وجبت بنت لون فلم توجد ووجد حقا لم يؤخذ بخلاف ابن اللبون عن بنت مخاض، والفرق‏:‏ أن ابن اللبون يمتنع عن صغار السباع، ويرد الماء، ويرعى الشجر، فعادلت هذه الفضيلة فضيله الأنوثة، والحق لا يختص بمنفعة، فلو وجبت حقة فدفع ابن لبون لم يجز، خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ محتجا بأنهما يجزئان عن السبعين فأولى عن الستين كما كان في بنت مخاض مع الشاة في الخمس، وهذا عندنا بخلاف إخراج الجذعة عن الحقة أو حقتين عن بنتي لبون لحصول الواجب عددا ومعنى مع زيادة الفضيلة، أما إذا لم يكن في المائتين إلا أخذ السنين الحقاق أو بنات اللبون لم يجبر رب المال على الشراء، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا لبعض المتأخرين منا، فإن فقدا ففي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يتخير الساعي، وإذا زادت على مائة وعشرين‏:‏ قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ رجعت الزكاة إلى الغنم في كل خمس شاة فما زاد يضاف إلى الإبل المأخوذة إلى مائة وخمسة وأربعين فحقتان لمائة وعشرين وبنت مخاض، لخمسة وعشرين، إلى مائة وخمسين، فثلاث حقاق، فما زاد فبالغنم، حتى تبلغ خمسا وعشرين فبنت مخاض؛ لأنه عليه السلام كتب لعمرو بن حزم في الصدقات والديات، وفيه‏:‏ ‏(‏إذا زادت على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة وروي‏:‏ تعاد الفريضة على أولها‏)‏ وجوابه‏:‏ أنه روى على غير هذا، وحديث أنس مشهور بين الخلفاء بخلافه، والإبل فيه مرتبة إلى المائتين، وفيه‏:‏ في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ولأن كل مال وجبت فيه الزكاة من جنسه لا تجب فيه من غير جنسه، أصله البقر والغنم، وإنما ذلك ابتداء لضعف المال عن المواساة بعين المال، فإن رأى الساعي رأي ‏(‏ح‏)‏ أجزأ؛ لأنه حاكم، وله عندنا أن يجمع بين الحقاق وبنات اللبون، وأن يفردا إذا بلغت إذا بلغت أربعمائة، خلافا لبعض الشافعية الجميع، لنا‏:‏ أنه وجد الشأن فيتخير أما زادت واحدة فيتخير عند مالك بين الحقتين وثلاث بنات لبون، لظاهر قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

فما زاد ففي كل خمسين حقة وأربعين بنت لبون‏)‏ فعلق الحكام بمطلق الزيادة‏.‏

وجه قول ابن القاسم‏:‏ ما روي عن نسخة كتاب عمرو - رضي الله عنه -، فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة‏:‏ ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة، ولأن الزائد على أحد وتسعين إلى عشرين ومائة وقص، فإذا لم يتعين بالواحدة اتصل به وقص آخر، ولا يوجد وقصان، وروي عن مالك‏:‏ ليس له إلا حقتان إلى ثلاثين ومائة، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

فما زاد ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة‏)‏ وهو يقتضي اجتماع الفرضين فلا بد من عشرة حتى تحصل خمسون بعد أربعين، ولو أراد التخيير لقال‏:‏ في كل خمسين حقة، ولأن الزيادة هي التي تتعلق بهذا الفرض كالخامس والعشرين، والسادس وثلاثين، وكذلك سائر الزوائد، وثلاث بنات لبون متعلقة بمائة وعشرين، فالزايدة لم يتعلق بها فرض فلا تغيره كسائر ما لم يتعلق به فرض، وإذا قلنا بالتخيير‏:‏ قال ابن المواز‏:‏ سواء كان السنان في الإبل أم لا، وخرج بعض المتأخرين على قول مالك‏:‏ إذا لم يجد في المائتين إلا أحد السنين ليس له إلا إياه، فكذلك ها هنا، وإذا قلنا‏:‏ يتغير الفرض بواحدة إلى ثلاث بنات لبون فزادت بعض واحدة لم يؤثر خلافا لبعض الشافعية حملا للزيادة على المعتاد‏.‏

فروع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يأخذ الساعي دون الشيء المفروض وزيادة ثمن، ولا فوقه، ويؤدي ثمنا، ولا يشتري من الساعي شيئا قبل خروجه، إذ لا يدري صفة ما يقتضيه، ولا يشتري الإنسان ما عليه بدين؛ لأنه دين بدين، ولا يأخذ الساعي فيها دراهم‏.‏

واستحب عدم شراء الصدقة وإن قبضت، قال سند‏:‏ إخراج القيم في الزكاة ظاهر المذهب كراهيته، وإن وقع صح، قاله ابن القاسم وأشهب في ‏(‏المجموعة‏)‏ وقاله مالك، ومنع أصبغ الصحة، هذا إذا لم يجد المفروض، أما إذا وجده فلا يجوز العدول عنه إلا عند ‏(‏ح‏)‏‏.‏ وجه الكراهية‏:‏ تعيين النصوص لأسنان الماشية، وفي البخاري في كتاب أبي بكر - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏من ليست عنده بنت مخاض، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون قبلت منه، ويعطي شاتين أو عشرين درهما‏)‏ وإذا قلنا بالجبران‏:‏ فالمذهب عدم التحديد، بل تطلب القيمة ما بلغت نظرا لحق المساكين، وحده ‏(‏ش‏)‏ بما في الحديث السابق حتى منع أخذ شاة وعشرة دراهم، ورأى التحديد تعبدا‏.‏ وإذا فقدت الحقة المفروضة ووجدت الجذعة وبنت اللبون، وأراد الساعي إحداهما، ورب المال الأخرى، فالمذهب لا يجبر أحدهما الآخر بل ليس للساعي إلا المفروض، وخيره بعض الشافعية كالمائتين من الإبل، والمذهب اختصاص ذلك بما يجوز أخذه من الإبل لا بما يكون كالقيمة، وأما قوله في الشراء‏:‏ إنه دين بدين، فظاهر في زكاة الفطر، والغنم المأخوذة في الإبل، لتعلقها بالذمة فيكون دينا، واختلف فيما عدا ذلك من الحرث ولاثمار والماشية، فظاهر قوله‏:‏ التسوية، وأن الجميع متعلق بالذمة، وقال العراقيون منا و‏(‏ح‏)‏‏:‏ متعلقة بالعين، وللشافعية قولان، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين في أموالهم حق معلوم‏)‏‏.‏ ‏(‏المعارج‏:‏ 24‏)‏ فجعله في الأموال لا في الذمم، لنا‏:‏ أن له العدول عن المال، والدفع من غيره، فتكون متعلقة بالذمة، والمال سبب التعلق، ولفظه في السبيبة في الآية كقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏

في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏)‏ أي سبب قتلها يوجب مائة من الإبل، لتعذر حصول الإبل في النفس، وأما سقوطه بالتلف‏:‏ فلذهاب شرط الوجوب الذي هو التمكن، وإذا قلنا‏:‏ يجب في العين فيمتنع البيع للجهالة، وأما شراؤها بعد القبض فلما في ‏(‏الموطأ‏)‏ قال عمر - رضي الله عنه -‏:‏ حملت على فرس عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ ‏(‏لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه‏)‏ فإذا صنع ذلك في غير الواجب فأولى في الواجب إلا أن تدعو لذلك حاجة، قاله مالك، وقال‏:‏ أكره شراءها من المتصدق عليه ومن غيره، وخصص أشهب الكراهة بالمتصدق عليه، وقاله مالك أيضا، وبالأول أخذ ابن القاسم‏:‏ نظرا إلى أن ما ترك الله لا ينبغي له العود فيه، وهذا حكم عطية لله، وإن كانت القربة إنما تتعلق بثمنها، كامرأة جعلت خلخالها في سبيل الله فلا تخرج قيمته‏:‏ قاله سحنون‏:‏ ولم يختلف مالك وأصحابه في المتصدق بغلة أصل سنين، أو حياة المحبس عليه أن له شراء ذلك لأجل ضرورة المالك في الأصل ولترخيصه عليه السلام في شراء العرية، ومنع عبد الملك لما تقدم، فإن كانت العطية سكنى أو إخدا ما فجوزه مالك أيضا لدرء الضرر، ومنع من ركوب الفرس المجعول في سبيل الله، وقال عبد الوهاب بجواز اليسير من ذلك، وشرب لبن الغنم، وأما لو تصدق على ولده فيجوز شراؤه، بخلاف الأجنبي، قاله مالك في ‏(‏المدونة‏)‏ وكذلك شرب اللبن والكسوة من الصوف لتمكن حق الأب من مال الابن، وروى أشهب‏:‏ المنع طردا للقاعدة، وإذا جوزنا فروى ابن القاسم تخصيصه بالصغير؛ لأن الأب ينمي له ماله، وروى غيره تخصيص ذلك بالكبير لاعتبار إذنه بخلاف الصغير، والأم في ذلك كالأب، ولو رجعت الصدقة بميراث فلا كراهة؛ لأنه جبري، ولو ترافقا في الطريق فأخرج المتصدق عليه من دراهم الصدقة وأخرج المتصدق مثلها أجازه مالك لخفته، فإن وقع البيع المكروه فالجمهور على عدم الفسح خلافا لابن شعبان، ولا يكره لغير المتصدق شراؤها‏.‏

فوائد‏:‏ قال سند‏:‏ أسنان الإبل أحوار، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، وبعد سنة بنت مخاض إلى سنتين؛ لأن أمها تكون حاملا، والمخاض وجع الطلق، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فأجأها المخاض إلى جذع النخلة‏)‏‏.‏ ‏(‏مريم‏:‏ 23‏)‏ فإذا دخلت في الثالثة فبنت لبون؛ لأن أمها ذات لبن، فإذا تمت الثالثة فهي حقة وحق للذكر إلى أربع لاستحقاقها الحمل والفحل، وبدخولها الخامسة جذعة والسادسة ثنية، وللذكر ثني لالقائها ثنيتها، والسابعة رباعية، ورباع للذكر لالقائها رباعيتها، والثامنة تلقي سن السدس الذي بعد الرباعية فهي سدس وسديس، وفي التاسعة يبزل نابها أي يطلع فهي بازل، وفي العاشرة مخلف وليس له اسم، بل مخلف عامين، ومخلف ثلاث إلى خمس سنين، وتسمى الحامل خلفة‏.‏ قال ابن حاتم‏:‏ والجذعة وقت ليس بسن، وفصول الأسنان عند طلوع سهيل، لقولهم‏:‏

إذا سهيل آخر الليل طلع *** فابن اللبون الحق والحق الجذع

لم يبق من أسنانها غير الهبع

والهبع هو الذي يولد لغير حينه، وروى عبد الحق في ‏(‏الأحكام‏)‏‏:‏ مغرب الشمس بدل‏:‏ آخر الليل، ورواه أبو داود أول الليل، والأول أقرب للصواب، فإن الإبل تنزو فحولها على إناثها أول الصيف وهي تحمل سنة فتلد حينئذ فتنتقل الأسنان حينئذ، وسهيل يطلع أول الليل، أول الشتاء وآخر الليل أول الصيف، فيستقيم المعنى حينئذ‏:‏ فإن الفجر يكون بالجبهة‏.‏ وقد مضي من الصيف النثرة والطرف، وأما على رواية أول الليل فيكون الفجر بسعد الذابح فلم تكمل الإبل سنة حتى تنتقل، والذي لم يولد أول الصيف لا ينتقل معها لتقدمه أو لتأخره فيسمى‏:‏ الهبع، وقال الأزهري‏:‏ أول نتاج الناقة‏:‏ ربع والأنثى ربعة، وفي آخره هيج والأنثى هيجة، والشارف هي المسنة الهرمة، والبكر الصغير من ذكور الإبل، والمهاري الإبل المسنونة إلى مهرة بن حيدان قوم من أهل اليمن، والأرجية من إبل اليمن، وكذلك الحيدية والعقيلية نجدتة صلاب كرام تبلغ

الواحدة مائة دينار، والقرملية إبل ‏(‏الترك‏)‏، والقوالح فحول سندية ترسل في العراب فتنتج البخت الواحد بختي، والأنثى بختية، والناضح الذي يسقي عليه الماء‏.‏

السادس‏:‏ في زكاة الخلطة

وهي عندنا وعند ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل مؤثرة مشروعة خلافا ل ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة‏)‏ وما كان من الخليطين فإنهما يترادان بالسوية، فلولا تأثيرها لما نهي عنها، ولا يمكن حملها على الشريكين؛ لأن الشريكين لا فرق بين اجتماعهما وافتراقهما، فلا معنى للنهي حينئذ، وكذلك المالك الواحد، له أن يجمع ويفرق إجماعا، ولأن الاختلاط يؤثر في المؤنة في الزكاة كالسقي في الزرع، ويتجه الفقه في حقيقتها وشروطها، وتراجع أهلها وتعددها، واجتماع الانفراد معها، فهذه خمسة فصول‏.‏

الفصل الأول في حقيقتها

وهي ضم الماشيتين لنوع من الرفق، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ لا تأثير لها في شيء من الأموال سوى الماشية في جملة أنواعها‏.‏

الفصل الثاني في شروطها

وهي ستة‏:‏ الشرط الأول‏:‏ النصاب، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من نقصت حصته عن النصاب فلا زكاة عليه، فإن أخذ الساعي منهما فإنهما يترادان إن كان الجميع نصابا‏.‏

لنا أن النصاب هو السبب، ولا زكاة مع عدم السبب، وأما التراجع فلأن الساعي حاكم أخذه كحكم الحاكم إذا اتصل بمواقع الخلاف، وتعين ما حكم به، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا كان لأربعين أربعون شاة زكوا زكاة الخلطة‏.‏ لأن الخلطة تصير الأموال كمال، وأخذه قياسا على الحوائط المحبسة على غير المعينين، والجواب عن الأول‏:‏ إنما نسلمه بعد تحقق النصاب، وعن الثاني‏:‏ أن الجميع على ملك الواقف وهو واحد، ويتخرج على قول عبد الملك‏:‏ إن صاحب النصاب يزكي بحساب الخلطة دون ناقص الملك عن النصاب، كما قال في العبد والذمي، فإن كان لأحدهما أربعون، وللآخر دونها، فلا يرجع صاحب الأربعين عليه؛ لأنه لم يدخل عليه مضرة، قال الباجي‏:‏ ويحمل عندي‏:‏ إذا قصد الساعي أحدها منهما أن يرجع عليه، فلو كان الجميع دون النصاب فلا يرجع؛ لأنها مظلمة إجماعا‏:‏ بل يرجع بها على من أخذها، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لو كان لأحدهما أربعون وللآخر خمسون، وللثالث شاة فأخذها الساعي، يرجع عليهما بقيمتها، إلا أن تكون من كرائم الأموال فليسقط ما زاد على قيمة المجزيء إلا أن يأخذها برضاهما، وإذا كان لأحدهما مائة وعشرة، وللآخر أحد عشر تراجعا قيمة الشاتين لإدخال صاحب القليل المضرة على صاحب الكثير، فلو كان له ألف شاة أو أقل وللآخر أربعون فأكثر تراجعا، قال سند‏:‏ شأن الساعي أن لا يأخذ إلا شاة من الأكثر دون الأحد عشرة، فإن أخذ شاتين فهو قول قائل فلا يختص أحدهما بالثانية‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وصفة التراجع‏:‏ أن يتراجعا على عدد غنمهما أخذتا منهما ومن أحدهما‏.‏ وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يختص التراجع بالشاة الثانية، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا تراجعا بالقيمة فيوم الأخذ عند ابن القاسم، ويوم الوفاء عند أشهب نظرا إلى أنه كالمستهلك والمستسلف، الشرط الثاني‏:‏ الحول، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا حال حول أحدهما دون الآخر زكى زكاة المنفرد، كما لو كان خليطه بغير الجنس، وعند عبد الملك‏:‏ يزكي زكاة الخليط فيما بيديه، ويسقط عن خليطه ما يتوبه‏.‏

لنا‏:‏ قوله عليه السلام ‏(‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏)‏ ولا تشترط الخلطة في جميع الحول بل آخره كشهرين أو أقل بيسير، قاله في ‏(‏الكتاب‏)‏، وقال ابن حبيب‏:‏ الشهر، وقال ابن المواز‏:‏ يجوز الاجتماع والافتراق في ما دون الشهر ما لم يقرب جدا، وقيل ذلك غير محدود، بل يتجنب مورد النهي، هذا كله إذا كان الافتراق والاجتماع منقصا للزكاة، وإلا فيزكيان على ما يوجدان عليه، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يشترط جميع الحول‏.‏

لنا‏:‏ أن الحديث لم يتعرض له فلا يشترط، ولأنهما لو اجتمعا أوله وافترقا آخره فلهما حكم الافتراق، فكذلك عكسه، قال في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لو أصدق ماشية بعينها فلم تقبضها المرأة حتى حال الحول عليها عند الزوج فطلقها قبل البناء ومجيء الساعي، ثم أتى ولم يقتسماها أو خلطاها بعد القسمة، زكى زكاة الخليطين، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ وإن لم يقتسما بنيا على الحول، وإن اقتسما استأنفا الحول، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل ملك الزوج النصف الراجع بالطلاق، أو هو باق على أصل ملكه‏؟‏ قال سند‏:‏ وهو المذهب، وعليه تخرج الفوائد، فالمخالف يراها للزوجة، والمذهب أنها بينهما، وقال أشهب‏:‏ يستأنف الزوج الحول، فإن عادت على أصل ملكه لما للمرأة من القلة، فإن أتى قبل القسمة وهما غير خليطين، قال سند‏:‏ فيه نظر؛ لأن النية إنما تشترط في ابتداء الخلطة، وهما بالطلاق شريكان كالورثة، وهم خلطا، وإن لم يقصدوا الخلطة‏.‏

الشرط الثالث، قال سند‏:‏ أهلية الزكاة في كل واحد منهما، فلو كان أحدهما ذميا أو رقيقا فلا خلطة، خلافا لعبد الملك‏.‏ الشرط الرابع‏:‏ النية، قال سند‏:‏ اعتبرها مالك؛ لأنه معنى يغير موجب الحكم فيفتقر إلى النية كالاقتداء في الصلاة، خلافا لأشهب، محتجا بحصول الرفق المقصود وإن عدمت النية،

الشرط الخامس‏:‏ إتحاد نوع الماشية فلا بد أن تكون كلها غنما أو إبلا أو بقرا، أما إذا اجتمع نوعان زكيا زكاة المنفرد، الشرط السادس‏:‏ قال سند‏:‏ لا تشترط الخلطة في جملة أسباب الرفق التي هي‏:‏ الراعي، والمسرح، والمراح، والفحل، والمبيت، والدلو الذي يورد به الماء، والخلاف عند الشافعية خلافا لنا فيه، والمراح‏:‏ الذي ترجع الماشية إليه وتجمع فيه للانصراف، وقيل‏:‏ موضع الإقالة، فلا يشترط اجتماع الجملة لعدم دلالة الدليل عليه، ولحصول الرفق في بعضها، وقال في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يكفي بعضها من غير تعيين، وقال ابن القاسم وأشهب‏:‏ لا بد من الاجتماع على أكثر الأوصاف، ولأن الأقل تبع للأكثر، لا سيما في الزكاة، وقال ابن حبيب‏:‏ الراعي وحده كاف تشبيها له بالإمام في الصلاة في تغيير حكم الجميع، وقال أيضا الراعي والمرعى؛ لأن اجتماعهما يوجب اجتماع الفحل، وقال الأزهري‏:‏ يكفي أي صفتين كانتا، يريد من الدلو، والراعي، والفحل، والمراح، والمبيت‏.‏